قراءة بعنوان بين الحلم والواقع/سليمى السرايري

Spread the love

قراءة بعنوان بين الحلم والواقع/ بقلم سليمى السرايري

 

الشاعر الأصيل صلاح الخليفي،

في هذا النص الجديد الذي قرأته له، وجدتُ فيه تعبيرًا عن تجربة شعورية عميقة تنطوي على مشاعر الخذلان وفقدان الأمل، حيث يتجلى من خلاله صراع داخلي بين أحلام الكاتب والواقع المحيط به، مما دفعه إلى الشعور ببعض الضياع كما يشعر به كثير من الناس. جاء ذلك واضحًا في قوله:

  • خذلاني. مرآتي الجافة.
  • أرى فيها أحلامي تتلاشى
  • على مفترق الوهم.
  • بلا قوة.

يطرح السؤال نفسه هنا: هل يمكن أن تكون المرآة جافة؟ ففي العادة نقول إن المرآة ضبابية أو مغبشة، فماذا يراد بكلمة “جافة” في هذا السياق؟ 

هل المقصود هو الصورة التي تعكسها المرآة، والتي تعبر عن فقدان الحيوية، والأمل، والحب، وجميع المشاعر النبيلة التي يحتاجها الإنسان؟ 

أم أن المقصود هو الأحلام التي أصابها الجفاف حتى جفت وتشققّت على حدود الوهم؟

بلا قوة“، أو بمعنى آخر “بلا حول ولا قوة“، هو أمر يتجاوز قدرة الكاتب الذي دفعته الظروف إلى تسليم روحه للأحزان رغماً عنه، تلك الأحزان التي فرضتها عليه الحياة بتقلباتها وخياناتها.

وهذا يحيلني مباشرة إلى عنوان النص “الخذلان” كان بمثابة المدخل الذي نبهني إلى أنني سأغامر داخل بحور من الحزن واليأس، وهو عكس الملامح البراقة للفرح التي يغلفها الشاعر بطبقة شفافة تجذب الأعين والنفوس إليه.

بالفعل، شعرت بما يشعر به وقاسمته ذلك الإحساس بـ “الخذلان“، إذ يظهر الفشل والإحباط بوضوح عندما يقول:

خذلاني. مرآتي الجافة“،

وكأنه يصف كيف خذل نفسه بسبب أحلامٍ لم تكتب لها الحياة، أحلام تعلّق بها كما يتعلّق العصفور بالغصن، أو كما يتعلّق الغريق بقشة أو بخشبة في عرض البحر وبين موجة وموجة تقفز جميع ذكرياته إلى الواجهة.

لكن شجاعة القلم هنا ملحوظة فليس من السهل، على أي كاتب أن يعترف بهكذا فشل ويكشف حزنه بصدق تام، دون الحاجة إلى علامات الترقيم أو الاستفهام أو التعجب،

  • أنقرُ ذاكرتي...
  • وأعرّيها في استحياء

 وهذا ما يميز قلم الخليفي، حيث غاص بالقارئ في أعماق ذاته متحدّيا المرآة نفسها وكل الحقائق الصارخة أمامه باستخدام الصورة الرمزية وهي “المرآة” التي ترمز إلى التأمل الذاتي ومراجعة الأحلام التي تتبدد أمام واقع قاسٍ، فالكاتب رغم محاولته المضي خلف حلم ينهار أمام عبثية الأيام وضغوط الحياة، كما جاء في قوله:

أشهد عُمري يسقط تحت الأقدام

 إلاّ انه ما زال يخلق أجواء طيّبة رغم المرارة والأنين الخافت المنبعث من بين السطور.

يا رفيق الحرف،

العمر لا يمكن أن يسقط تحت الأقدام، فأنت تمتلك الإرادة وقوة الشخصية، وروحك تملؤها الكرامة والعظمة. فالنبلاء هم من وهبهم الله القدرة ليبعثوا السعادة وينيروا دروب الآخرين، خاصة أولئك الذين هم بأمس الحاجة إلى الدعم والتشجيع.

ذكرياتك ورحلة بحثك عن هويتك في وطنك تجعلني أقف هنا:

  • أتوارى في الوعد الزّائف
  • وأستفيقُ لأبحثَ عن عروبتي
  • وطني. أغنيّتي !!!!

  لقد سعيتَ للتشبث بالوعود الوهمية الزائلة التي تشبه السراب أو الزئبق، فلا يمكن لأصابعك أن تمسك بها لأنها سرعان ما تختفي وتنزلق بعيدا عنك، ولا يبقى في الحقيبة سوى بارقة أمل تصنعها لنفسك حين تستفيق وتعود للبحث عن “أغنية الوطن” أو “الوطن الأغنية” التي نرددها في أناشيدنا الرسمية، رغم الشعور العميق بالوحدة والاغتراب الذي يقتلنا ونحن على أرضنا، إذ ان أحلامنا التي رسمناها لن تتحقق بسهولة. 

ومع ذلك، تستمر رحلتنا في السعي، وربما نعثر على شعاع أمل أو زهرة في مفترق الطرق تحثنا على الاستمرار والتقدم.

تقبل بعض خربشتي التي منحني إياها قلمك الصادق ونصك المؤثر، 

فالنصوص الخالصة هي التي تخترق وجدان المتلقي فتتحول فيه إلى مشاعر عارمة، أو قد تجعله يبكي دون أن يشعر الكاتب الذي يضع نصه وينطلق في دربه!

سليمى السرايري

~~~~~~~&~~~~~~~

القصيدة:

خذلان…
………………………………….
خذلاني..مرآتي المَجفُوّة..
أرى فيها أحلامي تتبدّد
على عتباتِ الوهم ..
بلا قُوّة..
******
يُرجِعني “الواقع” إلى نفسي
أحاولُ العودة إلى حُلم تستنزِفه الأيام…
و هنا….
أشهدُ عُمري يَسقُط تحتَ الأقدام
في الصّخبِ..و في لفحِ الشّمسِ..
********
كالطّير المُجهَد ..أسقُط
أنقرُ ذاكرتي..
و أعرّيها في استحياء
فتنكشف ساعتئذٍ أوهامٌ خرقاء
تفترسُ أحلامي..
و تستنزفُ لغتي..
*******
أتوارى في الوعد الزّائف
و أستفيقُ لأبحثَ عن عروبتي
وطني..أغنيّتي !!!!
أستطردُ في وجعي..
صار حقيقةً..
ألمسُ نبضيَ الرّاجف
يُوَدِّعُ أحلامي
الشاعر التونسي صلاح الخليفي

Related posts

Leave a Comment